هل وهل وهلوهل

أتستطيع أن تخبر أستاذك أنه أخطأ؟؟ أو تخبر حماتك أنها تجاوزت حدودها؟؟
أتستطيع أن تخبر جارك أو جارتك أنهم وأولادهم قللوا الأدب؟ أو تخبر صديقاً أن سمنته مزعجة؟
أتستطيع أن تخبر زميلاً أو مشرفاً ثقافياً أن كتابته فارغة المضمون؟ أو تخبر أخاك أو زبونك أن تدخينه يزعجك، أو أن رائحة فمه تقتلك؟
وهل تستطيع أن تجاهر برأيك في وزير مخطئ أو حاكم مستبد؟
أمثلة قليلةٌ تبين أن "خلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، أما الأشيع الأعم فهو أن الخلاف يفسد كل ود، وقد لا يبقي للمرء أي أصدقاء، إن لم يدمّر صاحب الرأي المخالف.
عرفت ذلك في حياتي العملية على مدى عقود طويلة، فلم أرَ إلا أمثلة مضيئة قليلة، وما عدا ذلك كله فظلام.
والواقع إنه ما من أحد إلا ويواجه معضلةً من هذا النوع، فبات حتّى الصغار يواربون، خشية صفعة أو لطمة (تربوية)، يدفعون ثمنها طيلة العام، وكم من كبير طرد من الجامعة لأن أستاذا (كبيرا) توعده، فلطأ له.
كيف يمكن لامرئ أن يقول لزميل أو شخص ما الحقيقة دون أن يوغر صدره؟
يأتي إليك شاعر ناشئ ويطلب منك رأياً فيما كتب، ولا تدري كيف تجيبه عن أخطاء النحو والإملاء والعروض والأفكار أحياناً، فإما أن تقول له كلاما عاماً لا يفهم منه شيء، أو تعتذر عن إبداء الرأي، لأنك لا تريد أن تخسر هذا الشخص، أو تخلق لك عدواً من العدم.
وترى من أخطاء التشخيص والعلاج الكثير، كما ترى من أخطاء الهندسة والطرقات والمباني الكثير، ومع ذلك لا تستطيع قول الحقيقة، فقد يتكالب عليك هؤلاء، وتصبح أنت المخطئ، وهم الأدرى بالمصلحة العامة.
وكثيرا ما يصعب علينا إبداء رأينا الصريح بمدرس أو مدير أو طبيب أو صحفي، إذ لا ندري كيف تكون عاقبة الأمور، ومن هنا قال بعض الخبثاء: "كلب يعوي معك ولا كلب يعوي عليك" (والعواء للذئب أصلا، لكن المثل العامي يقول ذلك)، ولما كانت الآراء لا تنفع كثيراً في مجتمع لا يحترم رأياً، أو لم يعتد حرية الرأي، فإن أمثال تلك (الحكم) تصبح هي السائدة.
هنا تبرز أهمية الصديق الصدوق في الحياة، والذي يستطيع أن يحدث صديقه بحرية، من أجل مصلحته، فلا يداهنه ولا يجامله ولا يزين له الباطل أو يقلب له الحق.. وكلنا يعرف قصة الملك الذي فصّل له خياطوه ثوبا من الوهم، فظهر عارياً أمام الناس، وهو يظن أنه يلبس أفخم اللباس وأجمله، حتى رآه طفل صغير فصاح بشكل عفوي: أنت عارٍ أيها الملك.
وفي النهاية كلّنا أبناء آدم خطاؤون، ورحم الله امرأ يهدي إلينا عيوبنا، فلولاه لن نتقدم خطوة واحة، وسنبالغ في ضلالنا، ظانين أننا الأفضل والأمثل.
أليست حال أمتنا العربية اليوم بالغة السوء والضلال، فيما إذا استمعنا إلى وسائل الإعلام أو إلى بعض الكتّاب رأينا أن الحالة مستقرة والحاضر وردي والمستقبل أكثر تورداً؟
ليتنا نتخلص من المجاملات المقيتة والكذب السقيم، إذاً لخطونا الخطوة الأولى في الطريق ا]مو